الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 2″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثاني مع الإمام إبن مجاهد، وحدث عن عدد كبير من علماء الحديث منهم عبد الله بن أيوب المخزومي، ومحمد بن عبد الله الزهيري وزيد بن إسماعيل الصائغ وسعدان بن نصر وأحمد بن منصور الرمادي ومحمد بن إسحاق الصاغاني ومحمد بن سعد العوفي وعباس الدوري وأبو رفاعة العدوي وغيرهم، ومن الذين رووا عنه أبو طاهر بن أبي هاشم وأحمد بن عيسى وأبو بكر الجعابي وأبو القاسم بن النخاس وأبو الحسين بن البواب وأبو بكر بن شاذان وطلحة بن محمد بن جعفر وأبو الحسن الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وآخرون، وقال الخطيب البغدادي كان ابن مجاهد ثقة مأمونا كتب إلي أبو طاهر محمد بن الحسين المعدل من الكوفة عن أحمد بن يحيى النحوي قال في سنة ست وثمانين ومائتين ما بقي في عصرنا هذا أحد أعلم بكتاب الله.
من أبي بكر بن مجاهد، وقال أبو عمرو الداني فاق ابن مجاهد في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته مع اتساع علمه وبراعة فهمه وصدق لهجته وظهور نسكه، وقال ثعلب ما بقى في عصرنا أعلم بكتاب الله من ابن مجاهد، وعن عبيد الله الزهري قال انتبه أبي فقال رأيت يا بنى كأن من يقول مات مقوم وحي الله فلما أصبحنا إذا بابن مجاهد قد مات، وتوفي ابن مجاهد يوم الأربعاء في شعبان سنة ثلاثمائة وأربعة وعشرون من الهجرة، ودفن في مقبرة له بباب البستان في الجانب الشرقي ببغداد وصلى عليه الحسن بن عبد الله الهاشمي، وقيل أن هناك حكاية مروية بالإسناد عن إمام القراء والقراءات وأول من سبّع السبعة، الإمام ابن مجاهد، وهي تحكي جانبا من جوانب شخصيته وسلوكه وهو جانب التواضع والكرم والسعي في مصالح الضعفاء والفقراء ومساعدتهم في أزماتهم.
والشفاعة لهم لدى أهل اليسر والإفادة، وأيضا بذل كل ما لديه في وقته مقابل إعفائه من سؤال غيره وهذا نجده في قوله لصاحب الحكاية ” خذ هذه الأربع مائة درهم واستعن بها على أمورك ورفه عني العنا والسؤال ” وكثير من ذلك البذل والعطاء، فيقول الإمام ابن مجاهد، جاء رجل فجلس في المسجد إلى أن فرغ أبو بكر من الإقراء وخلا المسجد فالتفت إليه الشيخ أبو بكر فقال له ألك حاجة ؟ قال نعم، قال وما هي ؟ قال قد جاءني مولود وما في الدار سوى المولود ومن ولد له والجبار تعالى الذي لا يخلو منه مكان فقالت زوجتي أم المولود، امضي إلى الشيخ أبي بكر فاشرح له حالنا وصورتنا واسأله أن يمضي إلى عند ابن كثير فليشرح له صورتنا وما نحن فيه، فإن تفضل الله بشيء فالحمد لله وله، وقال لي ابن عمر كان ابن كثير من بعض، من يقرأ على أبي بكر وكان موسرا.
فلما سمع أبو بكر بذلك وثب فدخل إلى منزله وأخرج له كيسا فيه مائة درهم ثم قال يا هذا خذه واستعن بها على أمورك، فقال له الرجل أيها الشيخ ما لهذا جئتك فرجع أبو بكر فأخرج له مائة أخرى، فرد عليه الرجل ما قال أولاً، فرجع فأخرج له مائة أخرى فقال له كقوله الأول ، فرجع فأخرج له مائة أخرى ثم قال له يا هذا خذ هذه الأربع مائة درهم واستعن بها على أمورك ورفه عني العنا والسؤال، ثم قال اللهم إنك تعلم أن ابن مجاهد لا يملك في هذا الوقت غيرها، فقال له يا أيها الشيخ ما جئتك لهذا، وإنما جئتك لسبب ابن كثير، قال فاستحى أبو بكر من تكريره فوثب ووثب الرجل ووثبت معهما حتى جئنا إلى ابن كثير، وكان منزله في درب الآجر فوصلنا إلى باب الدار فدق أحدنا الباب، فقال من بالباب ؟ فقال ابن مجاهد، فلما سمع باسمي خرج مهرولا وهو يقول لبيك وسعديك.
مرارا ففتح الباب ثم دخلنا إلى منزله ثم قال هل من حاجة أيها الشيخ ؟ فقال جاء إلي هذا الرجل، وقص عليه القصة كلها، وسألني أن أقصدك في ذلك فأبيت دفعة ودفعتين وثلاثة وأربعة وأخرجت له ما حضر عندي لأدفعه عن هذا، فقال أيها الشيخ بئس ما فعلت معي أردت أن تقطع عني ثوابا ساقه الله إلي، وتأخذه لنفسك، ثم وثب وقدّم المائدة وعليها من كل شيء فأكلنا فلما فرغنا أخذ ما كان على المائدة مما فضل فوضعه في منديل وشده ثم عمد إلى خازنة له فأخرج منها صرة فدفعها إليه فأخذها وأخذ المنديل وانصرف إلى منزله ولم أعلم ما فيها فحدثني الرجل أنه مضى إلى منزله ففتحها فإذا هي خمسمائة دينارا جيادا، فقالت امرأته يا هذا لعل الرجل قد غلط عليك، أراد أن يدفع إليك دراهم فدفع إليك دنانير، قم فارجع إليه واسأله عن هذا حتى يجعل الله لنا فيها البركة.