مقال

الدكروري يكتب عن معركة اليرموك “جزء 2”

الدكروري يكتب عن معركة اليرموك “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع معركة اليرموك، واستكملوا فتح مدنه جميعا، ثم واصلوا مسيرة الفتح، فضموا مصر والشمال الإفريقي وكانت بعد الخسائر التي تكبدتها جيوش الدولة البيزنطية الرومية برئاسة هرقل في المعارك مع جيوش الدولة الإسلامية التي يرأسها الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه في إقليم الشام، وكانت إقامة هرقل في أنطاكية فقرر جمع ما يستطيع من مقاتلي الروم من القسطنطينية وبلاد الشام وروميا، لخوض معركة فاصلة يوقف من خلالها المد الإسلامي في أراضي الشام، وبالفعل استطاع أن يجمع حشود هائلة من الجند أتوه من جميع أنحاء مملكته وتجمعوا في وادي اليرموك في الشام، ولم يصمد البيزنطيون في بعلبك، ولم يدافعوا دفاعا جادا عن حمص، فاتسع الخرق على هرقل بعد سقوط عدد من المدن الصغرى والكبرى.

 

فكان ذلك بمثابة التحدي للإرادة البيزنطية، غير أن الإمبراطور البيزنطي العسكري المحترف، لم يدع الهزائم تدفعه إلى اليأس والتراجع، ولم يفقد الأمل في تحقيق انتصارعلى المسلمين، حتى يعيد إليه هيبته ومكانة الإمبراطورية، ويجلي هؤلاء عن بلاد الشام، فاستجاب لهذا التحدي، وكان قد انهمك بعد أجنادين، وسقوط دمشق وبعلبك وحمص، في إعادة تشكيل قواته، وتكثيفها على نحو يطمئن معه إلى تعديل الموقف في بلاد الشام لمصلحة البيزنطيين، فراح يتنقل بين الجزيرة وأرمينية وأنطاكية يجند المتطوعين، وكتب إلى عماله أن يحشدوا كل من أدرك الحلم من سكان الإمبراطورية، كما دعا سكان العاصمة القسطنطينية بالتطوع للقتال، ولم يكتف بذلك، بل كتب إلى رومة عاصمة الإمبراطورية الرومانية الغربية يطلب نجدة عاجلة تساعدة.

 

على التخلص من موقفه العصيب، إلا أنه واجه عدة صعاب في جمع فلول جيوشه، وتجنيد أعداد من المرتزقة والأرمن، وبعض نصارى العرب في الوقت الذي كان يعاني من نفاد المال، والإرهاق الشديد، بعد الجهد الذي بذله بصورة متواصلة طوال أربعة عشر عاما منذ خروجه في عام واحد من الهجرة من القسطنطينية، وكان موقف جبلة بن الأيهم العربي الغساني مخجلا ومعيبا، فقد تنكر لأخلاق أهله وأجداده، وتنصّل من تلك العروق العربية الأصيلة، وانحرف عن قيم الفضيلة، وتنازل عن الشهامة والنخوة العربية، وجاء بسابقة لم يسبقه إليها إلا أبا رغال ومن على شاكلته، حين انظم مع جيش الروم لقتال أبناء عمومته من العرب المسلمين، فلقد خرج جبلة بن الأيهم الغساني في ستين ألفا من متنصرة العرب فقدمهم الروم، فانتقى لهم القائد خالد بن الوليد.

 

رجالا من أشراف العرب فقاتلوهم يوما كاملا ثم نصر الله المسلمين وهرب جبلة ولم ينجو منهم إلا القليل، وبعد جهد سريع، استطاع أن يجمع جيشا يفوق تعداده مائة ألف مقاتل، وضم وحدات بيزنطية نظامية، وطبيعي أنها تتألف من مقاتلين غير عرب وأيضا فرقا من أنطاكية وقنسرين وحلب، وأغلب الظن أنهم من السكان الوطنيين غير العرب، والذين كانوا على النصرانية، وكذلك اثني عشر ألف مقاتل من رجال القبائل العربية المتنصرة المقيمة في بلاد الشام بقيادة الأمير الغساني جبلة بن الأيهم، وبينهم مقاتلين من لخم وجذام والقين وبلي وعاملة بالإضافة إلى غسان، وقبائل أخرى من قضاعة، والمعروف أن المعركة وقعت في منطقة كانت تابعة للغساسنة، وأن هؤلاء لم يرضوا عن سيطرة المسلمين عليها، ومن ثم فقد كانوا مشاركين مهمين في المعركة.

 

وعين على هذا الجيش قائدا أرمينيا هو باهان كان يدين بالنصرانية، وانخرط في الجيش البيزنطي، ويجب علينا أن نعلم إن أغلب الحروب هى خراب و دمار، وما من عاقل ينظر الى الحرب الا كضرورة او شر لا بد منه، غير ان الحروب التى تهدف الى الحق و نشر العدل و مواجهة الباطل ابدا لا تهدف الى خراب او دمار او تسعى اليه، وهكذا كانت وصايا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لجيوشه وقادته حيث قال صلى الله عليه وسلم لهم فى وصيته ” لا تقتلوا شيخا، او طفلا أو امرأة او اعزلا، ولا تقطعوا شجرة، ولا تهدموا صومعة ” وان كانت الجيوش الغازية تدمر المدن حين تغزوها وحين تنسحب منها فان جيوش المسلمين الاوائل كانت تحرص على حياة الناس وامانهم طالما ليسوا جنودا مقاتلين، بل وترد لاهل هذه البلدان جزيتهم اذا اضطرت للانسحاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى