مقال

الدكروري يكتب عن شهر رمضان والإعجاز القرآني ” جزء 9″

الدكروري يكتب عن شهر رمضان والإعجاز القرآني ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع شهر رمضان والإعجاز القرآني، وأى كسب جعلك تضحى بالهواء فتلوثه، وبالماء العذب فتفسده، وبأزواج النبات البهيج فتحرقه، وتقطع الأشجار والغابات، وتأتي على التربة الخيرة فتجرفها، فإن خير ربنا إلى الناس نازل، وشرهم إليه صاعد، فيا أيها الإنسان الكادح البائس، هل لك غير الأرض موئل؟ ليس أمام المفسدين إلا أن يمدوا بسبب إلى السماء حتى ينقطع غيظهم، فما هو المخرج من ذلك النفق المظلم الذى يحفره الإنسان لنفسه؟ المخرج والعودة إلى الله، ويقول تعالى كما جاء فى سورة الروم ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون” فقال المفسرون إن المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر هو البحر المعروف، واختلفت تفسيرات بعضهم في معنى ظهور الفساد ومعنى البر والبحر، فهم وهم الصالحون.

 

لم يتصوروا أن يصل الفساد إلى تلوث الهواء بالغازات السامة، بفعل الوقود الحجرى والأسلحة الكيميائية التى لم يكن لها وجود في أيامهم، ولا أن يلوث الماء بمخلفات المصانع من الكيماويات، ولا أن تدفن النفايات الذرية في البر والبحر، ولم يخطر على بال هؤلاء الصالحين أن الناس سوف يعثيون في الأرض فسادا، ويستخدم الأسلحة الكيميائية والبيولوجية الفتاكة، نعم لم يخطر ببال الصالحين من القرون السابقة أن يلوث الإنسان الهواء الذي يتنفسه والماء المخزون في جوف الأرض الذي يشربه، وقد تحدث القرآن عن فساد البر والبحر في وقت لم تكن حدود البر على مستوى الأرض جميعا، معروفة لدى السابقين، وكذلك حدود البحر لذلك اختلف المفسرون في معنى البر والبحر، فقال ابن عباس رضى الله عنهما المراد بالبر هنا الفيافى، وبالبحر الأمصار والقرى، وفي رواية عنه البحر الأمصار.

 

والقرى ما كان منها على جانب نهر، وقال آخرون كما ذكر من قبل بل المراد البر هو البر المعروف، والبحر هو البحر المعروف، وقال مجاهد فساد البر قتل ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبا، وقال عطاء المراد بالبر ما فيه من المدائن والقرى، وبالبحر جزائره، وعن معنى ظهور الفساد ذكر المفسرون أنه عصيان الله في الأرض، وقالوا قلة الغيث وغلاء السعر، وظهور الجدب في البوادى والقرى ومدن البحر، وقوله تعالى ” ليذيقهم بعض الذى عملوا ” أى يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختبارا منه، ومجازاة على صنيعهم ومعنى ” لعلهم يرجعون” أى لعلهم يتوبون، وظهور الفساد قد يشير إلى وجوده مستترا مختفيا، أو ظهوره علنا، والأرض فى أصلها خلقت صالحة، والإنسان هو الذى أحدث فيها الفساد، ونهانا رب العالمين عن الفساد فى الأرض، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف.

 

“ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها” فسبحانه وتعالى، سخر البر والبحر للإنسان، فلا شبهة إذا في إيداع الفساد في البر والبحر، وينص معنى ظهور الفساد لا عن فساد فى الأصل، ولكن عن ظلم الإنسان، وظهور الفساد قد يأتى مفاجئا، وقد يأتى متدرجا، وقد يأتى متداخلا وفقا لدرجة إفساد الناس فإلقاء النفايات الذرية فى البحر ينتج عنه فساد أسرع وأخطر من إلقاء مخلفات مياه الصرف الصحى، وتسرب النفط في المياه يفسد الماء ويهلك الأحياء، والإفساد المتدرج مثل التسرب طويل الأجل للمواد السامة إلى مياه الأنهار والمياه الجوفية، وما نسميه الآن بتلوث البيئة ويمثل مرحلة من الفساد في البر والبحر، وحينما يعم التلوث، ويصبح الصدر ضيقا حرجا، وحينما يصبح الماء لا يطفئ ظمأ لأنه أصبح أجاجا، وحينما تصبح مياه الأنهار قاتلة للأسماك، ومياه البحار مميتة لأحياء البحار لكثرة السموم بها.

 

حينئذ لن يجد البشر سوى مصطلح ظهور الفساد، ولولا رحمة الله ما استطاع الناس العيش فى ظل تلوث البيئة وفسادها، من حولهم بسبب إفسادهم في البر والبحر، وسبحانه وتعالى رؤوف رحيم بعباده وبمخلوقاته، فيقول عز وجل كما جاء فى سورة الكهف” وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه مؤئلا ” فإنه لا يستوى إفساد البيئة مع إصلاحها فالفساد تلوث ودمار، والمحافظة على البيئة أمن وأمان وجمال، والإصلاح يعنى المحافظة على البيئة مما أفسده الإنسان بصنيعه بكامل قواه العقلية، والقاعدة الأساسية في ذلك هي أن رب العاملين أودع في الأرض الصلاح، وأن الأرض والسموات مسخرة لصالح الإنسان، ولكن الإنسان الظلوم الجهول، أَلف العادة ولم يطع أمر المنعم بسبب العلو والكبر والجهل، فضيع أمانة الاستخلاف في الأرض، فأفسد الهواء الذى يتنفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى